فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

الاسناد المجازي: في قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ} حيث أسند الذبح إلى فرعون، وليس هو الفاعل الحقيقي، وإنما هو مجرد آمر بالذبح، وجنود فرعون هم الفاعل الحقيقي، فإسناد كلمة الذبح إلى فرعون مجازي.
الاطناب: في قوله تعالى: {وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي} هذا قسم نادر من أجمل أقسام الاطناب، وهو أن يذكر الشيء فيؤتى به بمعان متداخلة، إلا أن كل معنى مختص بخصيصة ليست للآخر، فالخوف غم يلحق الإنسان لمتوقّع، والحزن غم يلحقه لواقع، وهو فراقه والأخطار المحدقة به، فنهيت عنها جميعا، وآمنت بالوحي إليها، وعدت بما يسليها ويطمئن قلبها، ويلمؤه غبطة وسرورا.
الاستعارة: في قوله تعالى: {وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ} التحريم: استعارة للمنع، لأنّ من حرم عليه الشيء فقد منعه، ألا ترى إلى قولهم: محظور وحجر، وذلك لأن اللّه منعه أن يرضع ثديا، فكان لا يقبل ثدي مرضع قط، حتى أهمهم ذلك.

.الفوائد:

1- رسم القرآن:
قلنا فيما سبق أن رسم القرآن الكريم مغاير في كثير من كلماته الرسم المصطلح عليه في كتابة اللغة العربية، ونسوق على ذلك هذه الأمثلة من هذه الآية: ايت، نتلوا، همن.
ففي الأولى حذف الألف، وفي الثانية وضع الألف بعد الواو وحقها أن لا توضع لأن الواو من أصل الكلمة. وفي الثالثة حذفت الألف الساكنة. وذلك كثير في القرآن الكريم، وهو بحاجة لمن يستقرئه ويخرجه في رسالة.
2- جدّة التعبير:
أ- {أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغًا}.
ب- {لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها}.
ج- {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ}.
هذه الأمثلة الثلاثة من التعبير القرآني، وغيرها كثير في القرآن الكريم، تقدم لنا صورة واضحة من الإبداع والابتكار في الأسلوب العربي، مما لم يصل إليه، ولم يدن منه من قريب أو بعيد كاتب ولا شاعر. إنه الوحي والتنزيل من رب العالمين، ليقدم صورة من الإعجاز للناس، علّهم يؤمنون به، وما كان أكثر الناس بمؤمنين.
3- فرعون وهامان:
اسمان أعجميان ممنوعان من الصرف. والمانع لهما العلمية والعجمي. ولذلك يجران بالفتحة. وقد نوهنا سابقا أن الاسم لا يمنع من الصرف إلا أن يشتمل على علتين من العلل المانعة من الصرف، إلا في حالتين، فتكفى علّة واحدة، والحالتان هما:
صيغتا منتهى الجموع مفاعل ومفاعيل، وألف التأنيث سواء الممدودة أم المقصورة مثل حمراء وسلوى وليلى.
أ- ملاحظة هامة: صيغة منتهى الجموع تمنع من الصرف سواء أكانت جمعا حقيقيا أم كانت اسما لمفرد جاء على صيغة منتهى الجموع نحو: شراحيل وسراويل.
ب- العلل المانعة من الصرف:
أ- صيغة منتهى الجموع.
ب- ألف التأنيث الممدودة والمقصورة.
ج- العلمية وهي ذات سبعة مواضع.
1- المؤنث بالتاء المربوطة، أو المؤنث تأنيثا معنويا. الأول كفاطمة، والثاني كسعاد.
2- العلم الأعجمي، مثل إبراهيم وانطون.
3- العلم الموازن للفعل، مثل يشكر ويزيد.
4- العلم المركب تركيبا مزجيا، نحو بعلبك.
5- العلم المزيد بالألف والنون، نحو عثمان.
6- العلم المعدول على وزن فعل نحو عمر.
7- العلم المزيد في آخره ألف للإلحاق، مثل: أرطى وذفرى.
د- الصفة وهي ذات ثلاثة مواضع.
1- أن تكون الصفة على وزن أفعل مثل أحمر وأفضل.
2- أن تكون الصفة على وزن فعلان مثل عطشان وسكران.
3- أن تكون الصفة معدولة وذلك في موضعين:
أ- في الاعداد مثل أحاد وموحد وثناء ومثنى، وثلاث ومثلث. إلخ.
ب- والثاني أخر نحو مررت بنساء أخر.
4- لام العاقبة:
أنكر البصريون تسميتها لام العاقبة، وأطلق عليها الزمخشري لام العلة.
والعلة فيها مجاز وليست حقيقة. ذلك أن الدافع إلى الالتقاط لم يكن ليكون لهم عدوا وحزنا، ولكن لمحبتهم له، وبغية تنبيه. كمن يقول ضربته ليتأدب والحقيقة أنهم التقطوه للمحبة. فكانت عاقبته للعداوة. ولذلك سمّيت اللام لام العاقبة.
5- موسى وفرعون:
ورد في تعريب كلمة موسى أن مو هي الماء وسا هي الشجر، ولعلهم شبهوا موسى بالماء والشجر اللذين ينبتان من الأرض، لأنهم التقطوه من النهر، ولم يعلموا له أبا وأمّا، وإنما وجدوه بينهم، وهو موسى بن عمران، ويتصل نسبه ب يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
وبقيت إسرائيل في مصر من عهد يوسف إلى عهد موسى، أي عهد فرعون الذي بعث موسى إليه، وكان فرعون هذا على جانب كبير من العتو والغلظة وطول العمر، واسمه الوليد بن مصعب وقد اتخذ بني إسرائيل بمثابة العبيد، يبنون له ويحرثون، ويتقاضى من باقيهم الجزية وقد رأى في المنام نارا أتت من جانب القدس، فأحرقت القبط، فسأل تعبير رؤياه فقيل له: يخرج من بني إسرائيل رجل يكون على يده هلاك مصر، فأمر بقتل كل مولود يلد لبني إسرائيل حتى كاد يفنيهم، ثم عدل عن ذلك، وراح يقتل أبناءهم عاما ويتركهم عاما، فولد هارون في السنة التي لا يقتل فيها الأبناء، وولد موسى في السنة التي يقتلهم فيها. فلما وضعته أمه حزنت، فأوحى اللّه إليها أن ضعيه في تابوت، ثم ألقيه في اليم. فصنعت تابوتا، ووضعته فيه، وألقته في النيل، وقالت لأخته قصيّه، فحمله الماء حتى أدخله بين أشجار متكاثفة تحت قصر فرعون، فخرجت جواري فرعون يغتسلن، فوجدن التابوت، فأدخلناه إلى آسية امرأة فرعون، فلما رأته أحبته وأخبرت به فرعون فأراد ذبحه، وخشي أن يكون المولود الذي حذر منه، فلم تزل به آسية حتى تركه لها. وذلك قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} وسوف نتابع رواية القصة على ضوء الآيات التالية إن شاء اللّه.

.[سورة القصص الآيات: 14- 15]:

{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)}.

.الإعراب:

الواو استئنافيّة لمّا ظرف بمعنى حين متضمّن معنى الشرط متعلّق بالجواب آتيناه {حكما} مفعول به ثان منصوب الواو اعتراضيّة كذلك متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله نجزي.
جملة: {بلغ} في محلّ جرّ مضاف إليه وجملة الشرط وفعله وجوابه لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {استوى} في محلّ جرّ معطوفة على جملة بلغ أشدّه.
وجملة: {آتيناه} لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: {نجزي} لا محلّ لها اعتراضيّة.
(15) الواو عاطفة {على حين} حال من فاعل دخل {من أهلها} متعلّق بنعت لغفلة {فيها} متعلّق ب {وجد} {من شيعته} خبر للمبتدأ هذا، وكذلك {من عدوّه} الفاء عاطفة {من شيعته} الثاني متعلّق بمحذوف صلة الموصول الذي {على الذي} متعلّق ب {استغاثه} بتضمينه معنى استنصره {من عدوّه} الثاني متعلّق بمحذوف صلة الموصول الذي الثاني الفاء عاطفة في الموضعين {عليه} متعلّق ب {قضى} {من عمل} خبر المبتدأ هذا {مضلّ} خبر ثان {مبين} نعت لمضلّ.
وجملة: {دخل} لا محلّ لها معطوفة على جملة الاستئناف.
وجملة: {وجد} لا محلّ لها معطوفة على جملة دخل.
وجملة: {يقتتلان} في محلّ نصب نعت لرجلين.
وجملة: {هذا من شيعته} في محلّ نصب حال من فاعل يقتتلان.
وجملة: {هذا من عدوّه} في محلّ نصب معطوفة على جملة هذا من شيعته.
وجملة: {استغاثة} لا محلّ لها معطوفة على جملة وجد.
وجملة: {وكزه موسى} لا محلّ لها معطوفة على جملة استغاثة.
وجملة: {قضى عليه} لا محلّ لها معطوفة على جملة وكزه موسى.
وجملة: {قال} لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: {هذا من عمل} في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: {إنّه عدوّ} لا محلّ لها تعليليّة- أو استئناف بيانيّ.-

.الصرف:

استغاث فيه إعلال بالقلب أصله استغيث، نقلت فتحة الياء إلى الغين ثم قلبت الياء ألفا.

.الفوائد:

{إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} سبق لنا وتعرضنا لتعداد الخبر وتكراره. ونعيد لأذهان القارئ ما قلناه:
لا يكون الخبر متعددا إذا كان التعدد ينبئ عن صفة مشتركة، كما إذا قلنا: فلان طويل قصير أي إنه مربوع أو متوسط القامة ففي هذه الحالة لا نقول ب تعدد الخبر ومن التعدد قوله تعالى: {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}.
تتمة قصة موسى وفرعون:
لقد تبنّى فرعون موسى، فأصبح ابن فرعون، وقد نشدوا له المرضعات فصدّ عن اثدائهن جميعها، وكانت أخته تقتفي أثره، فلما رأت إضرابه عن الرضاعة عرضت عليهم أن تأتيهم بامرأة ترضعه، فأتتهم بأمه، فأعطته ثديها فأخذ يرضعه، وكادت أمه أن تظهرهم على أمره وأمرها {لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها}.
وبعد حين عرضته آسية على فرعون، فراح موسى ينتف في لحيته، فراع ذلك فرعون، ودعا بالذباحين ليذبحوه، فما زالت زوجة فرعون تستعطف زوجها، وقد قدمت له ثمرة وجمرة فمد يده إلى الجمرة وأخذها ووضعها في فمه فأحرقته، وبذلك أدرك فرعون عدم إدراكه فعفا عنه، فلما أصبح يافعا كان يركب مع فرعون ويذهب معه حيث يذهب. وقد علم موسى أن فرعون قد ركب إلى بلدة، فلحق به وقد أخليت له فرأى إسرائيليا وقبطيا يقتتلان، فاستغاثه الاسرائيلي، فوكز موسى القبطي فقضى عليه فندم موسى على فعلته، وقال: إن هذا من عمل الشيطان {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} وللقصة تتمة نأتي عليها في الآيات القادمة بإذن اللّه.